رأي

إسماعيل هجانة يكتب: من دارفور إلى جبال النوبة والفونج الجديد: التسميات ليست إقصاءً بل اعتزازٌ بالتنوع

وصلتني تساؤلات عديدة حول أسباب تسمية الإقليمين: “جنوب كردفان – جبال النوبة” و”الفونج الجديد”، وبعضها يتساءل من منطلق القلق حول ما إذا كانت هذه التسميات تحمل طابعًا عنصريًا أو إقصائيًا كما يروّج البعض، وربما بنيّة واضحة لضرب النسيج الاجتماعي.

دعوني أردُّ على هذا التساؤل بكل شفافية ووضوح:

أولاً، دعونا نتأمل معًا تسمية إقليم “دارفور”، وهو من أكثر أقاليم السودان تنوعًا عرقيًا وثقافيًا. هل أثّرت هذه التسمية على التنوع الإيجابي بين مكوّناته المختلفة؟ وهل حرمت أيًا من مكوناته من الفعل السياسي والاجتماعي والثقافي والاقتصادي؟ الإجابة الموضوعية هي: لا، لم يحدث ذلك إطلاقًا. فالصراعات المؤلمة التي شهدها الإقليم كانت نتيجة مباشرة لسياسات المركز المنحازة التي وظّفت الاختلافات العرقية والاجتماعية لزرع الفتنة والانقسام بين أبناء الإقليم الواحد إلى أن وصلت مرحلة الإبادة الجماعية براعية نظام الإخوان المسلمين.

إن النظر إلى التجارب العالمية يؤكد لنا ذلك بوضوح. فعلى سبيل المثال، في إقليم كتالونيا بإسبانيا، أو اسكتلندا في المملكة المتحدة، أو كيبك في كندا، أو كوردستان في العراق، نجد أن التسميات لم تكن سببًا لإلغاء التنوع الإيجابي أو التفاعل بين المكونات، بل كانت نقطة انطلاق لطرح القضايا العادلة المتعلقة بالحقوق السياسية والاقتصادية والثقافية.

على المستوى المحلي، فإن التجربة السودانية تؤكد أيضًا أن المشكلة لم تكن في تسميات الأقاليم، بل في سياسات التهميش والإقصاء والتفرقة التي مارستها حكومات المركز السابقة. لقد تم استغلال التنوع والتعدد بصورة سلبية ومضرة للغاية من قبل الحكومات المركزية المتعاقبة، وخاصة في الخرطوم، التي عملت بصورة منهجية واحترافية على ضرب النسيج الاجتماعي وإشعال وتأجيج الحروب الأهلية، وفقًا لرؤية سياسية وأمنية هدفت إلى تعميق الفوارق وخلق مزيد من التوترات والصراعات بين المجتمعات. واستخدمت في ذلك أساليب متعددة تارة بالدين وتارة بالعرق والإثنيات والجوانب الثقافية، مما تسبب في هدم القيم الإنسانية وإلحاق أضرار عميقة بالوحدة الوطنية والتماسك المجتمعي.

بناءً على ذلك، فإنّ إطلاق اسمَي “جبال النوبة” و”الفونج الجديد” على الإقليمين لا يعبّر أبدًا عن انحياز عرقي أو ثقافي ضد أي مكوّن آخر، بل هي تسميات تعبّر عن هوية تاريخية عريقة، وتراث ثقافي ممتد، وهي جزء أصيل من الهوية السودانية الجامعة. هذه الأسماء تأتي من باب الاعتزاز بالخصوصيات التاريخية والثقافية، لا من باب الإقصاء أو العنصرية.

إن رؤيتي الشخصية تقوم على أنَّ التنوع العرقي والثقافي والإثني في السودان هو مصدر فخرنا وقوّتنا، وليس أداة للتفرقة والصراع. أنا أؤمن بوطن يُكرَّم فيه كل مكوّن ويحظى فيه الجميع بحقوق متساوية، دون تمييز أو استثناء. وأدعو إلى إطلاق حوار مجتمعي واسع، يقوم على الإيمان العميق بحقوق الجميع.

كما أن إيماني بمبدأ المواطنة، والعزيمة نحو ترسيخ مبادئ العدالة والسلام والمساواة، يجعلنا قادرين على توظيف التنوع الثقافي والتعدد الإيجابي كأداة لتجاوز الماضي والانطلاق نحو المستقبل، من خلال دستور انتقالي يعيد تعريف العلاقة بين المركز والأقاليم على أساس المواطنة الفدرالية.

التسميات ليست حواجز تُفرّق بيننا، بل هي مداخل للحوار والتفاعل الحضاري والثقافي، وركائز نستند عليها لبناء مستقبل مشترك، يُعيد تعريف العلاقة بين التراث والمعاصرة واستشراف آفاق المستقبل، ويمنحنا القدرة على الإجابة عن الأسئلة الأكثر تعقيدًا بكل ثقة، ودون خوف من طرحها وتجاوز المسكوت عنه.

فلنعمل معًا من أجل وطن يسع الجميع، وطن يكرم التاريخ ويحتفي بالتنوع، وينهض بقوة العدل والسلام والمساواة.

هذه رؤيتي الشخصية بوضوح وصراحة.
محبات كتيرة

إسماعيل هجانة
٨ مارس ٢٠٢٥

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى