رأي

اتيم سايمون يكتب.. صناعة السلام .. قبل تحقيقه

أتيم سايمون

 

لايزال امام الاطراف الموقعة علي اتفاقية وقف العدائيات في الاسبوع المنصرم بالعاصمة الاثيوبية اديس ابابا ، مشوار طويل وشاق، كي يثبتوا للجميع مدي جديتهم والتزامهم بتنفيذ تلك البنود التي تم التوصل اليها، وتاكيد رغبتهم في احلال السلام ووضع حد نهائي لمعاناة المواطنين و تشردهم، ولاستعادة ثقة الجميع في العملية السلمية المقبلة، فالتجربة اثبتت خلال الفترات السابقة الغياب التام للارادة السياسية و استخدام اسلوب المناورات ومقاومة اي محاولة اقليمية ودولية جادة لاعادة السلام والاستقرار لجنوب السودان خلال السنوات الاربع الماضية من عمر الصراع الذي شهدته بلادنا، والذي ازهقت فيه ارواح عديدة وتشرد فيه حوالي نصف سكان البلاد.

حاليا بدأنا نشهد تغيرا طفيفا في خطاب الحكومة باطرافها و مجموعات المعارضة السلمية والمسلحة ، وهذا التغير وغياب لغة التطرف و التشدد في المواقف نابع من التلويحات المتكررة بفرض المزيد من العقوبات علي كل من يعمل علي عرقلة عملية السلام، ولهجة التشدد التي تبناها المجتمع الدولي قبيل انطلاقة فعاليات منتدي ايقاد لاحياء اتفاقية السلام، وقد بدأ واضحا بدرجة كبيرة ان المجتمع الدولي قد بات يتفهم بشكل اكبر وعميق ديناميات الصراع السياسي في جنوب السودان، دوافعه ومحفزاته، علي عكس ماكان عليه الحال في اتفاق اغسطس 2015، وقد ساهمت احداث يوليو 2016 في توضيح ملامح الصراع بشكل ادق لايحتاج لتفسير او اجتهاد من اي شخص.

لقد بات العالم يتحدث بلغة واحدة ، حيث اصبح يردد هذه المرة مقولة ان مبادرة الايقاد الحالية تعتبر (الفرصة الاخيرة) لاستعادة السلام في جنوب السودان، وهذا لايعني انه سيتخلي عن جهوده الرامية لوقف الحرب و اعادة الاستقرار بكل تاكيد، لكنها رسالة مبطنة للقادة السياسيين بنفاد صبره علي استمرار تدهور الاوضاع الامنية الذي قد يفضي الي انتشار المزيد من الفوضي في محيط الاقليم، بسبب الحرب ومايمكن ان تقود اليه من تقاطعات في مصالح العالم ودول الجوار، فيما يعرف بحرب الوكالة التي تنتهي الي خلق تحالفات مستفيدة من الصراع وتسعي لتصفية خصوماتها الداخلية من خلال الاومة السياسية التي تشهدها بلادنا في الوقت الحالي.

نريد ان تترجم تلك التزامات الاطراف المتحاربة لتحقيق السلام الي افعال وممارسات حقيقة تسبق الجولة المقبلة في شهر فبراير باديس ابابا ، بابداء حسن النوايا و اطلاق سراح جميع الاسري و المعتقلين السياسيين والمختطفين الموجودين لدي كل طرف ، بحسبما نصت عليه اتفاقية وقف العدائيات التي وقعوا عليها مؤخرا ، فخطوة كهذه ستترك اثرا كبيرا علي الجميع وستساهم في استعادة ثقة الاطراف ، وهي لاتقل اهمية عن فتح المعابر الانسانية لتوصيل المساعدات الانسانية للمتضررين ، او العمل علي حماية المدنيين ، واتاحة المزيد من الحريات لوسائل الاعلام في التعاطي مع عملية السلام . ان صناعة السلام تعتبر خطوة جوهرية ومهمة في تهيئة الراي العام ، وتعزيز ثقة الاطراف و المواطنين في عملية السلام من خلال تحويل حالة فقدان الامل و الاستياء الجماعي الي بارقة جديدة ، وهذا يتطلب ارادة سياسية حقيقية تتغلب علي العراقيل التي تضعها الجماعات التي تنظر للسلام علي انه انتقاص من فرصهم في الترقي السياسي ، وهي جماعات كبيرة و مؤثرة داخل الحكومة وخارجها ، يجب ان يتم كبحهها بالكامل لتهيئة الاجواء لفترة جديدة مقبلة في تاريخ وحياة بلادنا وشعبها ، فصناعة السلام تحتاج للمزيد من الخطوات الايجابية الشجاعة التي تقود في النهاية الي تحقيقه كحقيقة ماثلة علي الواقع.
 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: شارك الخبر، لا تنسخ