تقارير

(الجماهير) في قراءة استباقية لمفاوضات جوبا: الارهاصات والتوقعات، العقبات المحتملة والمألات…!

الخرطوم: أيمن المدو

باتت خارطة الطريق إلي السلام بين الحكومة الانتقالية والحركة الشعبية – شمال، بقيادة عبد العزيز الحلو، واضحة المعالم بعد أن تم تحديد اتفاق إعلان المبادئ الذي وُقّع بين رئيس مجلس السيادة الانتقالي، الفريق أول عبد الفتاح البرهان، ورئيس الحركة الشعبية – شمال، الجنرال عبد العزيز الحلو، مطلع أبريل المنصرم، نقطة لانطلاقة المفاوضات التي تحتضنها عاصمة دولة الجنوب، جوبا، اليوم (الأربعاء)، بحسب ما أفصح به رئيس لجنة الوساطة مستشار رئيس جنوب السودان للشؤن الأمنية، توت قلواك. 

اكتمال الترتيبات:

وأكد مستشار رئيس دولة جنوب السودان، في تصريح صحفي بمطار جوبا يوم (الثلاثاء)، اكتمال جميع الترتيبات لافتتاح جلسة الحوار الرسمية بين حكومة السودان والحركة الشعبية لتحرير السودان – شمال، (الأربعاء)، بجوبا، في تمام الساعة العاشرة صباحًا، والتى سيُشرفها رئيس جمهورية جنوب السودان الفريق أول، سلفا كير ميارديت، ورئيسا مجلسا السيادة والوزراء، الفريق أول، ركن عبدالفتاح البرهان، ود.عبدالله حمدوك، بحضور عدد من الوزراء والخبراء الوطنيين.

الحركة تتفاءل بنجاح التفاوض، وتتخوف من إقحام أجندة خارج إعلان المبادئ

 وأوضح توت أن هذه الجلسة ستعقبها اجتماعات مُغلقة لمُناقشة كل القضايا المتعلقة بالسلام، مبينًا أن عودة الحركة الشعبية لتحرير السودان – شمال، لملف السلام سيُسهم في اكتمال عملية السلام بالسودان، مجددًا حرص حكومة جنوب السودان لتحقيق السلام بالسودان.

جاهزية الحكومة:

من جهتها اعلنت الحكومة عن جاهزيتها للانخراط في المُفاوضات مع الحركة من خلال الاجتماع الذي ترأسه رئيس مجلس السيادة الانتقالي، بالقصر الجمهوري مع المجلس الأعلى للسلام، يوم (الأحد)، والذي استعرض فيه الترتيبات الجارية لبدء جولة التفاوض مع الحركة الشعبية – شمال، جناح عبد العزيز الحلو، وقد وصل جوبا، بعد ظهر اليوم (الثلاثاء)، رئيس مجلس الوزراء د.عبدالله حمدوك، والوفد الحكومي المرافق له، لافتتاح جلسات الحوار المُباشر مع الحركة، رافقه كل من وزراء شؤون مجلس الوزراء ،الدفاع، العمل والإصلاح الإداري، والشباب والرياضة.

 

إعلان المبادئ:

وبالمُقابل أعلنت الحركة جاهزيتها لانطلاق المفاوضات، وفي حين أبدت تفاؤلها من التفاوض في المرحلة المقبلة، تخوفت في الوقت نفسه من اقحام الوفد الحكومي اجندةً خارج اتفاق المبادئ الموقع، وأكد القيادي بالحركة د. يوسف محمد المصطفى، لـ (Eleven news) جاهزيتهم للتفاوض، مُبديًا تفاؤله بالمرحلة المقبلة في التوصل لاتفاق سلام. وقال المصطفى: “نحن متفائلين جدًا بأن تمضي الأمور بطريقة سلسة وسريعة، سيما عقب الزخم الشعبي الذي حُظي به إعلان المبادئ”. وتابع: “لا نتوقع حدوث مشكلات كبيرة، وسنمضي للتفاوض بذات التشكيلة القديمة للوفد.

صديق يوسف، القيادي بالحزب الشيوعي يحدد شروط نجاح مفاوضات جوبا

 بيد أن يوسف عاد وكشف عن تعرض وفد الحركة المُفاوض برئاسة الحلو، لمضايقات كبيرة من الإدارة الأمريكية للتنازل عن العلمانية، بالإضافة لضغوطات مُماثلة من الوسطاء والسفراء لتليين مواقفها، وأكد إن ضغوطات أمريكية وصلت إلى أن الحلو ووفده تخلوا عن السفر لواشنطن لتمسكهم بمواقفهم التفاوضية بالإضافة إلى ضغوط مُورست على الحركة من أجل نقل ملف التفاوض من العسكر إلى المدنيين، ونقل التفاوض من جوبا كمقر للمفاوضات.

 

استكمال المُباحثات:

وبحسب مراقبين فان جلسة مفاوضات (الاربعاء)، تأتي استكمالًا لكيفية إنفاذ بنود إعلان المباديء على الأرض، وبموجب ذلك فقد لا تحمل المباحثات بين الجانبين أية مفاجآءات خارج نطاق التفاوض. وتبرز الي السطح العديد من التساؤلات حول ماهية الأجندة التي سيتم مناقشتها على ضوء إعلان المبادئ، بجانب التساؤل بشأن قُدرة الطرفين على تخطي العقبات التي قد تواجهها، وصولًا لنجاح الجولة. 

إبعاد المُكون العسكري:

في إجابته على التساؤلات التي طرحتها عليه (الجماهير) مضى القيادي بالحزب الشيوعي، صديق يوسف، إلى الحديث عن العقبات التي ستعترض المُفاوضات، وقال: “إن أكبر عقبة يصعب تجاوزها أو هضمها من جانب مفاوضي عبد العزيز الحلو، هي قوانين سبتمبر”.

عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي صديق يوسف عقب اجتماع الحرية والتغيير والمكون العسكري ومجلس الوزراء – أرشيف

 ولإنجاح المُفاوضات قدم يوسف روشتة تتمثل في قيادة المُكون المدني للتفاوض من جانب الحكومة، وجعله المُسيطر على الدفة مع ضرورة إبعاد المُكون العسكري من كابينة التفاوض وتحجيم دوره كمراقب، بجانب أن تكون انطلاقة المفاوضات من حيث انتهت في الجولة الماضية، وفوق كل ذلك قال يوسف لـ(الجماهير)، أن على الحكومة إبداء حسن النية والعمل على الغاء كل القوانين المُقيدة للحريات، بدءً بالغاء قوانين سبتمبر سيئة الصيت والتي ما تزال سارية، بحسبه.

 وعَدَّ يوسف هذه الخطوات هي السبيل الوحيد في إحداث اختراقات في المفاوضات، وصولًا للسلام.

أصحاب المصلحة الحقيقيين:

من جهة أخرى، يرى مراقبون أن المثل القائل “كانك يا أبوزيد ماغزيت”، ينطبق على الحركة الشعبية، بسبب اهمالها التام مشورة أهل المصلحة الحقيقيين من سكان منطقة جنوب كردفان، الذين يمثلون كلمة السر في نجاح المفاوضات، وهذا ما رمي إليه الأمين العام لحزب الأمة القومي الواثق البرير، والذي أعرب عن استغرابه عدم قيام الحركة بإجراء مشاورات وسط أصحاب المصلحة من السُكان بجنوب كردفان، واستجلاء آرائهم حول القضايا المطروحة، قبل الانخراط في المُفاوضات مع الحكومة.

الواثق البرير:أصحاب المصلحة الحقيقيون هم كلمة سر نجاح التفاوض

 وعاب البرير على الحكومة كذلك عدم استصحابها في جولة المفاوضات الحالية أهل المصلحة الحقيقيين من المكونات الإثنية المستوطنة والموجودة بالمنطقة. ومضي البرير إلى القول: أية اختراقات في المُفاوضات ستبقى رهينة بموافقة أصحاب المصلحة، لأنهم يُمثلون كلمة السر في انجاح المفاوضات.

مكاسب أكبر:

ومثل ما تتجه أنظار الجميع إلى جوبا بشيء من التفاؤل والتطلع لتوقيع اتفاق سلام نهائي ومستدام، بين الحكومة والحلو، فان نائب رئيس حزب العدالة الوزير الأسبق، بشارة جمعة أرو، بدا أكثر تشاؤمًا بشأن توصل الطرفين لاتفاق بشأن السلام، وقال لا أتوقع أن يحدث اختراق نحو السلام، مُبديًا، مع ذلك، إعجابه بالحركة الشعبية بقوله إن الحركة اكتسبت تجربة وخبرة في المُناورات طيلة الجولات الخمسة عشر السابقة، التي جرت بينها والحكومة إبان العهد السابق، وجزم أرو – وهو عضو سابق في وفد حكومة البشير للمفاوضات مع الحركة الشعبية – بأن تجارب الحركة في التفاوض باتت أعمق وأكثر نُضجًا، مشيرًا إلى أن وفد الحكومة الحالي للمفاوضات لا يتمتع بالخبرة والحنكة السياسية الكافية لمواجهة مُناورات الحركة.

 وتوقع أرو في حديثه لـ(الجماهير) أن تخرج الحركة بمكاسب أكبر في جولة المفاوضات الحالية، وأكد بأن ضعف وهشاشة الحكومة الانتقالية سيجعل الحركة تمضي إلى اشهار أسلحتها الاستراتيجية والتكتيكية والاستكشافية في وجه مفاوضي الحكومة.

خيار تكتيكي:

تتوفر للحكومة ضمن جولة مفاوضات (الاربعاء) خيارات مفتوحة للتعامل مع أزمة جنوب كردفان، بينما لم يبق للحركة الشعبية من خيار سوى أن تدفع بالحكومة نحو إعلان المباديء والحصول على التنازلات المطلوبة، بهذه الكلمات ابتدر الخبير الاستراتيجي الفريق الركن إبراهيم الرشيد حديثه، ونوه إلى أن الحكومة تدخل المُفاوضات كخيار استراتيجي يُفضي الي تحقيق السلام، بينما يتمسك عبد العزيز الحلو، بها كخيار تكتيكي، يؤدي به إلى مُناورة الحكومة، بهدف الحصول علي مزيد من المكاسب والتنازلات في طاولة المباحثات.

الفريق ابراهيم الرشيد، موقف الحكومة من المفاوضات استراتيجي، بينما موقف الحركة تكتيكي…!

 وأشار الرشيد إلى أن تحقيق السلام رهين بالمُناورات التفاوضية التي يقوم بها مفاوضو عبد العزيز الحلو، حيال القضايا مثار النقاش والجدال بين الجانبين. وبسؤاله حول ماهية العقبات الأخرى التي من شأنها أن تُعرقل الوصول إلى اتفاق، قال الرشيد لـ(الجماهير) إن بند الترتيبات الأمنية قد يضحي عقبة أمام إنفاذ الاتفاق علي أرض الواقع، في حال تم حسم بقية الملفات بين الطرفين.

كمين العلمانية:

فيما لم يتبق للحركة الشعبية المزيد من الكروت الرابحة، بعد أن رمت بورقتها الأخيرة المُتمثلة في إعلان المبادئ، يُشير المُحلل السياسي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة النيلين البروفسور حسن الساعوري، إلى أن الحكومة والحلو، قد تجاوزا أكبر عقبة كانت تعرقل مسار التفاوض، وهي قضية الموقف من العلمانية أو ما يُعرف باعلان المباديء، وجزم الساعوري بأن العلمانية كانت الورقة الرابحة بيد الحلو يتخذها ككمين وشرك للإيقاع بالحكومة.

 وقال بعد إفلات الحكومة من كمين العلمانية بالتوقيع والمصادقة علي إعلان المبادئ، لم تعد بقية القضايا المطروحة من الجانبين مثار خلاف، سوى بند الترتيبات الأمنية، الذي ربما يشكل خميرة عكننة للحكومة، في حال قرر الحلو الإبقاء على قواته في يده سنوات أخرى، كما يُشاع عنه. 

بيد أن الساعوري عاد وأكد بأن الحكومة الانتقالية لن تقع في الخطأ التاريخي الذي وقعت فيه الحكومة السابقة، والتي أبقت علي قوات الحركة بيد قادتها بعد جولات التفاوض التي قادتها مع الحركة آنذاك بقيادة جون قرنق. وتوقع الساعوري في حديثه لـ(الجماهير) أن يظفر الحلو بمنصب نائب الرئيس في حال أفضت المفاوضات إلى اتفاق سلام، مؤكد ان مسارات التفاوض الاخري المتعلقة بقسمة السلطة والثروة مقدور على تجاوزها وحل إشكالاتها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: شارك الخبر، لا تنسخ