بقلم: خالد إسماعيل
وضعت الحرب التي أشعلها فلول النظام البائد في ١٥ أبريل الماضي، النخبة السياسية والفكرية وأنديتها السياسية في امتحان عسير بشأن مواقفهم و الكليشيهات التي ظلوا يرددونها لعقود كالحرية والسلام والعدالة الاجتماعية والمساواة والتسامي فوق الإنتماءات الجهوية والمناطقية.
وبعد اندلاع الحرب بأيام قليلة سقطت كل أوراق التوت التي يتدثرون بها وسرعان ما تخندق البعض جهوياً ومناطقياً ضاربين عرض الحائط بكل تلك الأدبيات التي يشدون بها لعقود، لا ينكر إلا مكابر أن الحرب أشعلها فلول الكيزان المتحالفين مع جنرالات الجيش الذين حولوه لكتيبة تتبع للحركة الإسلامية، ورغم ذلك تخندق العديد من المثقفين والمهتمين بالشأن العام مع ذات الجيش الذي قاتلوه في فترة التجمع الوطني الديمقراطي والحركة الشعبية طوال مسيرتها وحركات دارفور ليس بدافع سوى المنطقة والجهة والأساس الاجتماعي.
اصطف نفر كبير وذو إسهامات ثرة في ميدان العمل السياسي إلى جانب الجيش الذي قاتلوه سابقاً بالطبع ليس بدوافع مقنعة وموضوعية وإنما فقط ضد قوات الدعم السريع التي أسسها الجيش نفسه وأصبحت مهدداً حقيقياً لمصالحهم، هذه المجموعات تضم كتاب ومفكرين وسياسيين وصحفيين، وعلى الرغم من أن الدعم السريع هو صناعة وإنتاج الجيش الحالي ويمكن للصانع إن يفكك المصنوع، ولكنهم تعاموا عمدا عن ذلك واصطفوا مع الفلول في حربهم.
يقول لك أحدهم “نقضي على الدعم السريع وإصلاح الجيش ساهل.!؟”، هذا (الطلس) لن ينطلي على عاقل متناسين إن فلول الكيزان أشعلوا هذه الحرب في الأساس رفضا لإصلاح الجيش بل إن ورقة الترتيبات الأمنية التي تسعى لفك سيطرة الفلول والحركة الإسلامية على الجيش شكلت بداية الحرب فكيف يتم إصلاح الجيش حال قضى على الدعم.!؟
ليس مقنعاً أن ينبري عتاة المثقفين كالواثق كمير وعبدالله علي إبراهيم ومحمد جلال هاشم وآخرين للدفاع عن جيش الحركة الإسلامية وهم ذاتهم من دعوا لتغيير كامل للجيش بل قاتل بعضهم في صفوف الحركة الشعبية لتغيير الجيش الذي يعد العمود الفقري لبنية الدولة القديمة.
هناك فئة من الأحزاب تطالب بالتغيير الجذري على رأسها الحزب الشيوعي وآخرين، ويدعون إلى هدم الدولة القديمة بكل ما فيها وبناء الجديد على أنقاضها، وما أن اندلعت الحرب والتي بكل مساويها تعتبر أحدى أدوات تفكيك التمكين وإن كان بشكل عنيف، تكشفت زيف وشعارات هؤلاء، وكأنما التغيير الجذري فقط بيدهم وماركة مسجلة باسمهم.
لا تنطح عنزتان في إن علاقات الإنتاج والمصالح الطبقية تحدد المواقف من التغيير وبما أن الطبقة الوسطى تعد صاحبة الامتيازات وإن لم تكن مباشرة ولكنها مستفيدة مع الوضع المختل في السودان ومن ثم تتحسب لأي تغيير يطيح بمصالحها ولذا تسعى لتغيير متحكم فيه لا يهد المعبد وإنما يقوم بعملية الترميم لذات المعبد اللئيم الذي تطبخ وتؤكل فيه امتيازات النخبة.
الحرب الحالية تعتبر انفجاراً طبيعياً للوضع المأزوم تاريخيا في السودان وتجدد الحروب منذ الاستقلال يؤكد أن أسبابها لم تعالج بشكل يحول دون تجددها، ولذا السؤال الذي يطرح نفسه جدياً إلى أي مدى النخبة جادة في التغيير ومستعدة لبناء سودان عادل وحر.