تقرير: أبو أمنية
بعد سقوط مقر قيادة الفرقة 15 مشاة بالجنينة، في نوفمبر من العام 2023م، أصبحت ولاية غرب دارفور بالكامل تحت سيطرة قوات الدعم السريع. لكن في ديسمبر من العام نفسه، بدأت جيوب لحركة العدل والمساواة تنشط في منطقة “أبو سروج” التابعة لمحلية سربا، والتي تقطنها قبيلة “الارنقا”، تنبهت الأجهزة الأمنية والتنفيذية باكرًا لخطورة جيوب حركة العدل والمساواة في تلك المنطقة، لا سيما بعد أن منعوا بعض القبائل التي تقطن في المناطق المجاورة لـ”أبو سروج” من التسوق في السوق الكبير.
أدى تواجد جيوب حركة العدل والمساواة في المنطقة إلى نشوب خلافات قبلية، بعد تكرار حوادث نهبهم لمواشي الرحل والعبور بها إلى داخل المنطقة.
استشعرت الإدارات الأهلية لقبيلة “الارنقا” بخطر تنامي نشاط حركة العدل والمساواة في المنطقة، وعقدت معهم عدة اجتماعات لإثنائهم عن توجهاتهم ونشاطهم ضد السلطة القائمة والقبائل المجاورة، لكن فشلت محاولات الإدارة الأهلية بعد أن تم تصنيف زعمائها لـ”موالين ومعارضين”.
إثر ذلك، اضطر عناصر العدل والمساواة إلى الخروج خلسة من “أبو سروج”، بعضهم اتخذ مدينة الجنينة ملاذًا آمنًا له، بينما سلك آخرون طريق اللجوء إلى دولة تشاد خوفًا على سلامتهم من أبنائهم الذين غرر بهم.
في الأثناء، بذلت الإدارة المدنية بولاية غرب دارفور، برئاسة تجاني الطاهر كرشوم، جهودًا كبيرًا من أجل نزع فتيل الفتنة القبلية التي أوقد نارها منسوبي العدل والمساواة من أجل مكاسب سياسية. وعقد “كرشوم” اجتماعات مكثفة من القيادات الأهلية والرموز المجتمعية لمنطقة “أبو سروج” والمناطق المجاورة من أجل تنبيهم بخطورة ما تسعى له الحركات المسلحة.
وقال “كرشوم”، للقيادات المجتمعة في منطقة “أبو سروج”، إنهم يسعون إلى وقف العدائيات بين المجتمعات المحلية، وعدم الانجرار وراء مساعي العدل والمساواة، وأبلغهم أن قوات الدعم السريع على أهبة الاستعداد لوضع حد لهذا الفوضى الأمنية داخل المنطقة. في ذلك الوقت، طلب القيادات الأهلية لـ”أبو سروج” من الدعم السريع التمهل ووعدوا بعقد ملتقى جامع في المنطقة، من أجل إقناع المسلحين بالخروج من المنطقة وتجنبيها الحرب.
في المقابل، انخرطت القيادات الأهلية من “أبو سروج” بالداخل والخارج في حوار مع قيادات القبائل من المناطق المجاورة، تحت إشراف المكتب التنفيذي للإدارة الأهلية بغرب دارفور ورعاية والي ولاية غرب دارفور تجاني الطاهر كرشوم، اتفق الجميع على عقد مؤتمر للتعايش السلمي بين المكونات السكانية في “أبو سروج” في مدينة الجنينة لوقف العدائيات وفتح الأسواق.
هذه المرة، تدخلت قيادات عليا من حركة العدل والمساواة من مقرها في بورتسودان لإفشال المؤتمر الذي حُدد له مارس من العام الجاري. وبالفعل تم إرجاء المؤتمر لمزيد من التشاور، حسب طلب قيادات قبيلة “الارنقا”، بعد أن تلقوا تهديدات بالقتل.
وقال فرشة قبيلة “الارنقا”، زكريا خاطر، في تصريحات صحفية في مارس الماضي، إن هناك جهات تسعى لزعزعة الأمن والاستقرار في منطقة “أبو سروج”، لذلك يجب أن يتم تأجيل المؤتمر لمزيد من التشاور.
وكشف أن عدد من القيادات، تلقوا تهديدات بالقتل عبر اتصالات من بورتسودان، وذلك في حال استمرار جهودهم بشأن عقد الصلح مع القبائل العربية، وأشار إلى أن هنالك ثلاث منهم، اضطروا إلى مغادرة “أبو سروج” إلى مخيمات اللجوء خوفًا على سلامتهم.
إلى ذلك، قال أمير قبيلة “الارنقا”، أزهري أحمد السنوسي، إن هناك أطرافًا أخرى دخلت في المشكلات التي نشبت في “أبو سروج”، واتهم قيادات بارزة في حركة العدل والمساواة بالوقوف وراء تهديد قيادات قبيلة “الارنقا”.
ومن جانبه، اتهم رئيس الإدارة المدنية بولاية غرب دارفور، تجاني الطاهر كرشوم، بعض الحركات الدارفورية بالانحراف عن الخط الثوري، وأضاف “مؤسف أن تسعى هذه الحركات من مقرها في بورتسودان إلى إشعال حربًا قبلية في منطقة نائية ستزيد من معاناة المواطنين وستفرز واقعًا إنسانيًا مريرًا”.
وأكد أن حكومته ظلت تعمل لثلاثة أشهر، من أجل تجنيب منطقة “أبو سروج” الحرب، وستستمر في جهودها مع دعاة السلام وصولًا إلى التعايش السلمي بين جميع المكونات الاجتماعية.
ودعا قيادات قبيلة “الارنقا” إلى عقد ملتقى تفاكري جامع، يشارك فيه كل أبناء المنطقة لوضع حد لنشاط المسلحين الذين يعملون على إشعال الحرب القبلية.
وبعد فشل كافة المساعي السلمية، هاجمت قوات الدعم السريع، في أكتوبر الماضي، منطقة “أبو سروج”، وتمكنت من السيطرة عليها بعد عام كامل من العزلة التي عانى فيها المواطنين من ظلم وجبروت عناصر حركة العدل والمساواة الذين ينضوون تحت لواء “القوة المشتركة” بعد انضمام عناصر من “التحالف السوداني” إليهم في المنطقة.
عقب استقرار منطقة “أبو سروج”، سارع بعض القيادات الأهلية إلى اتخاذ خطوات عملية لترسيخ الأمن وعودة الخدمات، وأرسلوا وفدًا كبيرًا إلى مدينة الجنينة انخرط في اجتماعات مكثفة، يوم الأحد الماضي، مع الجهات المختصة لتنويرها عن الأوضاع في المنطقة.
وقال الفرشة خاطر إبراهيم تنقوس، لدى اجتماعه مع رئيس الإدارة المدنية بولاية غرب دارفور تجاني الطاهر كرشوم بمقر أمانة الحكومة، إن سبب المعارك التي شهدتها منطقة “أبو سروج” يعود إلى تعنت بعض أبناء المنطقة، الذين “ظللنا نتفاوض معهم لأكثر من 14 شهرًا لتجنيب المنطقة الحرب”.
وأضاف، “نحن كنا في منطقة معزولة ومهددين من قبلهم وممنوعين من السفر”. وأشار إلى أن عناصر العدل والمساواة كانوا يفرضون جبايات مالية على المواطنين داخل “أبو سروج” مشددًا: “عشنا ظروف صعبة وفقدنا ممتلكاتنا”.
وطالب بالإسراع في تقديم الخدمات الأساسية للمواطنين، لا سيما الصحية، مشيرًا إلى انعدام كامل للدواء في المنطقة، وتدمير محطات المياه.
من جانبه، قال إمام مسجد “أبو سروج”، أبو بكر محمد عيسي، إن الأوضاع الصحية تدهورت بشكل خطير، لجهة أن بعض المواطنين أصبحوا يتعالجون بـ”عروق الشجر”، وأشار إلى أن حتى المساجد لم تسلم من التدمير. وقال إن عناصر القوة المشتركة كانوا يضيقون كثيرًا على المواطنين، وفي الفترة الأخيرة منعوا المواطنين من التواصل عبر أجهزة “ستارلينك”.
وفي ذات الصعيد، أكد رئيس الادارة المدنية بولاية غرب دارفور، التزامه بتوفير كافة الخدمات الصحية والمياه وتوفير الأمن والاستقرار في منطقة “أبو سروج”. ووجه نداءً للمنظمات الإنسانية بالإسراع في تقديم العون للمحتاجين وإنقاذ الموقف.
وعدد “كرشوم” المساعي التي بذلتها حكومته من أجل الوصول إلى حل سلمي، لكن تعنت قيادات العدل والمساواة أوصل منطقة “أبو سروج” إلى هذا المنحدر.