عبدالله رزق
abusimazeh@yahoo.com
تتكثف الجهود وتتسارع وتيرتها، من أجل احتواء الخلاف المصري- السوداني- الإثيوبي، حول سد النهضة الإثيوبي، عبر اتفاق ثلاثي حول الملء الثاني للسد. وهو فصل جديد من الصراع على النيل الأزرق، لم يتسن للكاتب الان مورهيد، صاحب “النيل الأزرق” و”النيل الأبيض”، روايته.
فبعد انتهاء زيارة لوفد الاتحاد الأفريقي إلى السودان، في إطار مبادرة في ذات الشأن، يوم الاثنين، وفي موازاة مبادرة إماراتية، شهدت الدوحة، العاصمة القطرية، أمس الثلاثاء، اجتماعاً طارئاً لوزراء خارجية الدول العربية، حول الموضوع، انتهى بدعوة مجلس الأمن الدولي للتدخل. وقد سبقت ذلك مخاطبة كل من مصر والسودان للمجلس، في هذا الصدد، إثر فشل الفرقاء في التوصل لاتفاق حول ملء السد، في آخر لقاء لهم بجمهورية الكونغو الديموقراطية، نتيجة ما تعتبره، كل من القاهرة والخرطوم، تعنتاً إثيوبياً.
يدفع هذا الماراثون نحو التوافق المفقود، والذي هو سباق مع الزمن، أيضاً، بدء موسم الأمطار في الهضبة الإثيوبية، واقتراب الموعد الذي حددته أديس أبابا، للملء، هو شهر يوليو المقبل، دون التقيد بأي اتفاق مع مصر والسودان. الأمر الذي يمكن أن يلحق أضراراً كبيرةً بالبلدين، وتبدو الفترة المتبقية، التي يدور فيها السباق، موعداً مثالياً لقيام مصر بضرب السد، وهو الخيار الذي ألمح إليه ورجحه الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب.
وكان سامح شكري، وزير الخارجية المصري، قد أعلن قبيل مغادرته الدوحة للمشاركة في مؤتمر وزراء الخارجية العرب، أن كل الخيارات مطروحة على الطاولة، وهو ما يعني، ضمناً، عدم استبعاد الخيار العسكري، بعد أن استعدت مصر لذلك فعلياً، عبر تمارين مشتركة في الشهور الماضية مع القوات المسلحة السودانية. هذا السباق مع الزمن، للوصول إلى توافق بشأن الملء الثاني للسد، هو مسعى لتفادي كافة الخيارات غير العقلانية، والتمسك الحازم بنهج التفاوض بخيار أوحد لتخطي كافة الصعاب، والتغلب على كل العقبات.
في هذه الأثناء، وبينما يحتشد الإثيوبيون، متجاوزين كل انقساماتهم السياسية والثانية حول السد، ويفعل الشيء نفسه المصريون، كما أشار أحد المراقبين، تسعى الحكومة السودانية لبناء موقف وطني من قضية سد النهضة، يتوافق عليه كل الشعب السوداني، ليكون أساس استقطاب الدعم الإقليمي العربي والأفريقي والعالمي.
وقد ابتدرت وزارة الري والموارد المائية تحركاً في هذا الاتجاه، بإدارة حوار مع القوى السياسية ومنظمات المجتمع المدني، والقوى الحية في المجتمع لبلورة موقف موحد، رسمياً وشعبياً، حول الموضوع. بعد أن ظل موقف السودان غائماً ثم مضطرباً، طوال السنوات الماضية التي برز فيها إلى سطح الأحداث مطلب القسمة العادلة لمياه النيل من قبل دول الحوض، والذي توج باتفاق عنتيبي، قبل أكثر من عشر سنوات.
مثل هذا الموقف الوطني لابد أن ينطلق من تقدير للحاجات الآنية والمستقبلية للبلاد، مع الأخذ في الاعتبار عامل التغير المناخي، وما يحتمله من تناقص في معدلات هطول الأمطار، والذي قد يجعل السودان خلال المائة عام القادمة، مثلاً، يعتمد كلياً على مياه الأمطار. حسب وزارة الري، فإن حاجات السودان من مياه النيل، تقدر بـ (٢٢) مليار متر مكعب، حتى عام ٢٠٣٠. وقد تراجع الاستهلاك في السنوات الأخيرة من (١٥) مليار متر مكعب إلى (١٢)، مع التراجع الذي شهدته العديد من المشاريع الزراعية المروية.
وفي ظل ما هو رائج من تقديرات حول الأضرار المحتملة لقيام السد، أو تلك المتأتية من احتمالات انهياره، فإن الضرورة تقتضي إلزام إثيوبيا بالتعويض عن تلك الأضرار والخسائر كافة. وفي مواجهة الأمر الواقع، المتعلق بانتهاك إثيوبيا لاتفاق ١٩٠٢، ببناء السد، خلافاً لمنصوص الاتفاقية، فإن على السودان التمسك بكامل سيادته على أرض بني شنقول، التي أقامت إثيوبيا عليها السد، والحقوق الوطنية المترتبة على ذلك، والدفاع عن مصالح شعب بني شنقول، وطرحها في كل جولات التفاوض حول السد.
إن وضوح هذا الموقف الوطني يمكن من تأسيس شراكة لا بد منها مع مصر، على أساس متين من المنافع والمصالح المتعينة، لا العواطف، وعلى أرضية الاحترام المتبادل للسيادة الوطنية، دون أن يعني ذلك بالضرورة، استعداء لإثيوبيا. لا يخلو سد النهضة من خلفية سياسية، وبعد سياسي، منذ تبلوره كفكرة، مقابل توجه الرئيس جمال عبدالناصر لبناء السد العالي، كما يقول البروفيسور محمد شيخون، وهو خبير اقتصادي، وله مؤلف تحت الطبع، حول موضوع مياه النيل، إلى الشروع المفاجئ في تشييده، بعيداً عن الجدل الدائر حول محور اتفاق عنتيبي، كأمر واقع.
ولا يستبعد بروفيسور محمد حسن باشا، الخبير في العلاقات المصرية – السودانية استخدامه، بالتالي كأداة ضغط سياسي، في مواجهة السودان على الأقل. يشمل ذلك، وفق خبير في المجال، التحكم في تدفق المياه ووقفه، في توقيتات غير مواتية بالنسبة للسودان.
314 3 دقيقةقراءة