تقرير: الطيب علي حسن
أثارت صور ولقطات فيديو حديثة؛ تظهر القيادي البارز بالحركة الإسلامية وحزب المؤتمر الوطني المحلول، نافع علي نافع، أحد أبرز المتهمين في انقلاب 1989، رفقة ابنه وعائلته بأحد المرافق العامة بدولة تركيا؛ الكثير من الجدل داخل مواقع التواصل الاجتماعي والفضاء العام السوداني؛ حيث تم تداول الصور ولقطات الفيديو على نطاق واسع، وسط مخاوف من إمكان هروب -هذا إن لم يهربوا- بقية قادة النظام السابق المطلوبين للعدالة، إلى خارج البلاد.

وفي حين تراوحت النقاشات -واسعة الانتشار- التي أثارتها حادثة هروب نافع إلى تركيا، بين تلك التحليلات التي تنشد معرفة كيفية هروبه، وتلك التكهنات التي تنشد تحديد هوية الجهة المسؤولة بدءًا من إطلاق سراحه، ناهيك عن تأمين هروبة؛ إلا أن سؤالًا واحدًا -يبدو أنه السؤال الأساسي الذي تثيره القضية- كان حاضرًا ومطروحًا، ضمن جل هذه النقاشات، ألا وهو: ما هو مصير قادة النظام السابق الآخرون، وأين يتواجدون الآن؟ وهو السؤال الذي ظل محيرًا وبلا إجابة واضحة.
اتهامات متبادلة:
تأتي حادثة هروب نافع علي نافع إلى تركيا، في ظل اتهامات متبادلة بين كل من القوات المسلحة وقوات الدعم السريع، بصدد مسؤولية إطلاق سراح السجناء المتواجدون بسجون الدولة بعد اندلاع الحرب في 15 أبريل العام الماضي، بمن في ذلك قادة النظام السابق المتهمين بانقلاب 30 من يونيو 1989م. هذا، وقد جرى تداول عدة صور في وقت سابق -بعد عدة أشهر من اندلاع الحرب- للقيادي المذكور -نافع-، تشير إلى وجوده -آنذاك- بمنطقة النافعاب في ولاية نهر النيل، شمال السودان، حيث مسقط رأسه، لأحد والديه.
وفي أبريل من العام الماضي، وعقب أسبوع على بداية الحرب؛ اتهم الجيش قوات الدعم السريع باقتحام سجن كوبر العمومي في الخرطوم بحري، وإطلاق سراح آلاف النزلاء منهم محكومون بالإعدام. وفي 24 أبريل 2023، عقب تسعة أيام من اندلاع الحرب، فاجأ الرئيس السابق لحزب المؤتمر الوطني المحلول أحمد هارون، السودانيين ببيان صوتي، قال فيه: إنه غادر السجن مع مسؤولين سابقين آخرين، وأنهم سيوفرون الحماية لأنفسهم.

وأشار هارون في التسجيل الصوتي، إلى أنهم مكثوا في السجن “تحت تبادل نيران المعركة تسعة أيام”، وأن إمدادات المياه والكهرباء والغذاء قد انقطعت عنهم بشكل تام، وأنه غادر كل نزلاء السجن الآخرين، وبقوا وحدهم حتى تم نقلهم إلى موقع آخر بحراسة ثلاثة رجال شرطة. وأضاف هارون، -وهو مطلوب لدى المحكمة الجنائية الدولية- أنه “مستعد إضافة إلى المسؤولين السابقين الآخرين للمثول أمام القضاء عندما يضطلع بدوره”.
وكان القائد العام للجيش السوداني، الفريق أول عبد الفتاح البرهان، قد قال في سبتمبر 2023، أثناء كلمته التي ألقاها في الأمم المتحدة؛ إن قوات الدعم السريع، قامت بإطلاق سراح قادة النظام السابق من السجون، حيث أكد أن “قوات التمرد أطلقت سراح مساجين مطلوبين للمحاكم الدولية” مشيرًا إلى الرئيس السابق عمر البشير وعبد الرحيم محمد حسين وأحمد هارون أبرز قيادات النظام السابق المطلوبين للجنائية.
الجيش يقر أن رموز النظام السابق في مناطق سيطرته:
وفي نوفمبر 2023، أعلنت السعودية والولايات المتحدة ومنظمة (إيغاد)، المسيرين لمحادثات جدة الثانية بين أطراف الصراع في السودان؛ عن موافقة الجيش على طلب قوات “الدعم السريع” بإعادة اعتقال قيادات النظام السابق من حزب المؤتمر الوطني المحلول، الذين هربوا من السجن القومي بمدينة بحري بوصفهم مطلوبين للعدالة. وأيضا، مساهمين في/ ومؤججين إشعال واستمرار الحرب. وقد ظل شرط القبض على قادة ورموز النظام السابق أحد أهم شروط قوات الدعم السريع للتفاوض مع الجيش.
وكان عضو الوفد المفاوض لقوات الدعم السريع، محمد مختار النور، قد كشف في مقابلة مع الإعلامي أبو عمار على منصة تك توك، في يوليو الماضي؛ أن اتفاق المنامة الذي تم توقيعه بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، في فبراير الماضي؛ نص على استبعاد المؤتمر الوطني والحركة الإسلامية من أي حوار سياسي شامل بغرض الحل. وأكد المختار في ذات السياق، أن وثيقة الاتفاق نصت أيضًا، على ضرورة إعادة القبض على كل رموز وقادة النظام السابق، وإيداعهم السجن. وأوضح: “إن بند القبض على رموز النظام السابق، هو السبب الرئيسي في عدم مضي الجيش قدما في اتفاق المنامة، وحضوره للمرحلة الثانية من الاتفاقية والتي كانت تتعلق بالاتفاق على وقف العدائيات. وفي جدة والمنامة أقرّ الجيش -ضمنا-، بعدما وافق على إيداعهم السجن، بوجودهم في مناطق سيطرته.
حكومة بورتسودان تصرح، وهيئة الدفاع وحادثة هروب نافع تكذب:
لعل من المثير للتساؤل، أن هروب نافع علي نافع إلى تركيا، يأتي عقب أسبوع من تصريحات الناطق الرسمي باسم الشرطة العميد فتح الرحمن التوم لـ«الشرق الأوسط»، والتي أكد فيها على أن السلطات “لن تسمح على الإطلاق بمغادرة المنتظرين بالسجون والفارين من مناطق النزاعات إلى خارج السودان” وأيضا على أن قادة ورموز نظام الرئيس المعزول، عمر البشير، «لم يغادروا البلاد». وإنه “قد تم التحفظ عليهم بواسطة السلطة القضائية ومنعهم من السفر لدى سلطات الجوازات”.
وتأتي حادثة الهروب أيضا، عقب أسبوعين فقط، على تصريحات وزير الداخلية بحكومة الأمر الواقع ببورتسودان، خليل باشا سايرين، يوم 15 يوليو؛ حيث قال في مقابلة لقناة الحدث الإخبارية: إنهم كانوا قد أطلقوا السجناء السياسيين، في إشارة إلى عدة من رموز وقادة النظام السابق الذين كانوا يتواجدون بالسجن القومي ببحري. هذا، وقد أكد سايرين أيضا، على أن السجن القومي ببحري، هو السجن الوحيد الذي كان تحت سيطرة الجيش عقب اندلاع الحرب في 15 العام الماضي.
وفي حين اتهم وزير داخلية حكومة الأمر الواقع ببورتسودان، خليل سايرين، في لقائه المذكور آنفا مع قناة الحدث؛ قوات الدعم السريع بإطلاق سراح المساجين في القضايا الجنائية في بقية السجون بولاية الخرطوم؛ إلا أنه أكد في ذات الوقت، على أن حكومتهم، قد أطلقت سراح بعض رموز قادة النظام السابق بتوجيهات من السلطة القضائية، وتم ذلك بعد وقعوا على تعهدات فردية، بالبقاء داخل حدود السودان. وأضاف، على أن يعودوا طواعية لإكمال محاكماتهم متى ما هدأت الأوضاع.
هذا وقد أكد سايرين -في ذات المقابلة- أيضا، أن الرئيس المخلوع عمر البشير، وبكري حسن صالح وعبدالرحيم محمد حسين ويوسف عبد الفتاح وآخرين من رموز قادة النظام السابق -لم يسمهم- ممن كانوا بسجن بحري القومي؛ يتواجدون -حتى لحظة تصريحه- بمستشفى السلاح الطبي بمدينة أم درمان؛ حيث تم نقلهم عقب الحرب لتلقي العلاج. وكشف سايرين لقناة الحدث، أن الداخلية لا تعلم أماكن تواجد القيادي البارز بالمؤتمر الوطني المحلول والمطلوب للجنائية الدولية أحمد هارون. مؤكدا في ذات الوقت، أنه وبقية قادة النظام السابق موجودون داخل السودان.

هذا، وكانت هيئة الدفاع عن الرئيس المخلوع عمر البشير، وبقية قادة النظام السابق، قد نفت في بيان صادر عن عضو الهيئة “المحامي” محمد الحسن الأمين؛ تصريحات وزير داخلية حكومة بورتسودان، الفريق خليل سايرين التي أدلى بها لقناة الحدث، مؤكدا عدم صحتها ومطالبا سايرين بمراجعة معلوماته. وقالت في بيان، إن عمر البشير وبكري حسن صالح وعبدالرحيم محمد حسين ويوسف عبدالفتاح وآخرون، قد كانوا منطقة السلاح الطبي بداية الحرب؛ لكنهم نقلوا إلى معتقل داخل منطقة وادي سيدنا العسكرية. وأكدت، أنهم لا زالوا بها حتى الآن.
مدير عام السجون في السودان: تصريحات جديدة:
في يوليو الماضي، وقبل عشرة أيام فقط من هروب نافع على نافع إلى تركيا، كان مدير عام السجون في السودان، ياسر عمر أبو زيد، قد أقر الأسبوع الماضي، أثناء حديثه في منبر الشرطة الإعلامي الدوري ببورتسودان، بأن إطلاق سراح المطلوبين للعدالة من قادة النظام السابق من سجن كوبر عقب الحرب: قد تم بقرار من نائب رئيس القضاء، وبعد استكتابهم تعهدات شخصية علنية بتسليم أنفسهم متى طلب منهم ذلك. مؤكدا تصريحات خليل باشا سايرين التي ذكرت سابقا.
وأكد أبو زيد أيضا، أن إدارة سجن كوبر بالخرطوم بحري، لم تكن تملك سوى خيارين فيما يتعلق بوضع (18) من رموز وقادة النظام السابق، وهي: إما إطلاق سراحهم أو تركهم يموتون في السجن بسبب استهدافات قوات “الدعم السريع” التي وصلت إلى مرحلة كسر أبواب السجن -بحسبه-، إلى جانب تساقط شظايا المعارك داخل السجن وصعوبة توفير المأكل والمشرب للنزلاء والعلاج للمصابين.

قيادي بالنظام السابق يؤكد خروجهم بلا إي إجراءات قانونية:
وفي نهاية يوليو الماضي، تم تداول مقطع فيديو، يظهر القيادي البارز بالنظام السابق، الطيب سيخة الذي كان مسجونا رفقة بقية رموز وقادة النظام السابق بالسجن القومي ببحري، وسط عدد من المواطنين الذين يرجح أنهم أهله، ويقدم لهم إفادته حول كيفية خروجه ورموز وقادة النظام السابق من السجن. حيث أكد أنهم قد خرجوا من السجن بعد أن لم يستطع الجهاز القضائي أو الجيش أو إدارة السجن تقرير مصيرهم واتخاذ قرار بشأنهم. حيث قال “القضاء أكد أننا مسجونون سياسيا وأن من يقرر في أمرنا هو الجيش”.
وتابع الطيب سيخة: “إن إدارة السجن لم تستطع أن تتواصل مع قيادة الجيش، للبت في أمر خروجنا بضمانات وتعهدات بمراجعة القضاء متى ما طلب منا ذلك”. وأوضح أنهم -رموز وقادة النظام السابق- قد خرجوا بعد أن لم تستطع النيابة أو القضاء أو الجيش البت في أمرهم؛ مؤكدا أنهم لم يمضوا أو يوقعوا على أي تعهدات، حيث قال: “قلنا لهم -إدارة السجون- لن تستطيعوا أن تحمونا وأتركونا نذهب إلى أهلنا”. وهي إفادة تتعارض مع تصريحات مدير عام السجون في السودان ووزير داخلية حكومة بورتسودان، التي تؤكد خروجهم بموجب توجيهات من السلطة القضائية.
وفي إفادة لـ«صحيفة الجماهير»، قال عضو الهيئة القيادية لتنسيقية القوى المدنية الديمقراطية (تقدم) الصادق آدم إسماعيل، ، إنه “قد تم إخراج كل المحكومين والمنتظرين من السجون الاتحادية والولائية منذ اندلاع الحرب في أبريل 2023، وذلك بأمر من إدارة السجون، بما فيهم قادة النظام السابق”. وأضاف: وعبر بيان مسجل انخرط قادة النظام السابق في دعم الجيش بالمشاركة في التعبئة للحرب، وبعضهم ظهر خارج السودان أو في مناطق سيطرة الجيش.
وأكد عضو الهيئة القيادية لتنسيقية القوى المدنية الديمقراطية (تقدم) أن علاقة قادة النظام المخلوع بالحرب معلومة، عبر تصريحاتهم أو التسجيلات الإعلامية، في المواقع المختلفة. موضحًا أن إرجاعهم للسجون ومحاكم العدالة، أحد أهم مطالب قوى الثورة. وحذر إسماعيل من أن وجودهم خارج السجون وعدم التحفظ عليهم، أحد أهم عوامل استمرار الحرب، وذلك نظرًا لدورهم الكبير -بحسبه- في التعبئة والحشد للحرب.