تقارير وتحقيقات

المناصفة لا تعني العدالة

الجماهير: مواقع

الخبراء الغربيون يعترفون الآن ويقرون بما ألحقته فكرة المناصفة والمساواة المطلقة بين المرأة والرجل من أضرار ومشاكل، سواء بالمرأة نفسها أو بمنظومة الأسرة كلها في المجتمع.

المرأة المسلمة لا تريد من يزايد عليها باسم التحرر

 

نقاش المساواة بين الأنثى والذكر في الإرث الذي انفجر مؤخرا وصحبته انقسامات عديدة أتى في غير وقته وتسبب في أضرار كبيرة، وبرز كأحد تجليات خيبة الأمل في التغيير العربي والإسلامي، حيث بدت فرص الوصول إلى نتائج مرضية في مسألة التجديد الديني بعيدة المنال.

أسوأ الانعكاسات التي تنتج عن جدلية إرث الأنثى هذه هو تشتيت وتفريق المعسكر المناوئ للتطرف والجمود، لأن الواقع المنقسم يستفيد منه تلقائيًا تيار التشدد، فالمتطرفون ينظرون إلى ما تركه الإسلام لإعمال العقل والتطوير البشري على أنه “ثوابت” لا تُمس.

ما فصّله الشرع الإسلامي بشأن الأسرة لا يعتمد في الأصل على فرضه في إطار قانون وضعي، بل ينبغي أن يستجيب له الفرد بوازع إيماني ومن منطلق الدفع الروحي، إذ ما قيمة القوانين المتعلقة بواقع الناس الحياتي دون وجود ضمائر حية تستجيب؟

إن الحاصل الآن هو أن هناك تحايلًا على التعاليم الإسلامية ذاتها من قطاع واسع من المسلمين يمنعون عن المرأة حقوقها، خاصة في الأرياف والبيئات القبلية، والقوانين عمومًا مهما كان تشددها يسهل التهرب منها، لذا كان التفصيل في سياق ديني محفزًا للضمائر والنخوة الاجتماعية، ولكون “إرث المرأة” من الشريعة ومنصوصا عليه بهذا الإسهاب فذلك حتى يكون هذا داعمًا اجتماعيًا إضافيًا لمنحها حقوقها.

الدعوة إلى المساواة في الميراث سوف تزيد ذرائع من يحرمون المرأة أصلًا من الميراث إذا راج أن المعمول به مخالف للشرع، وساعتها يمنحون المسوغ الديني بأن القانون غير مطابق لتعاليم الإسلام، وبعد أن كان ظالم المرأة ومانعها حقها في الإرث المنصوص عليه مُدانًا ومؤاخذًا، سوف يصير لديه ما يبرر به جريمته تلك بدعوى أن القانون الجديد مخالف للشريعة.

الدعوة إلى تغيير ما هو قائم من قوانين تمنح الذكور ممن يحرمون الإناث من الميراث صفة الغيورين على الشرع، ويستغلون ذلك في استمرار سطوهم على حقوقها باسم الدين، علاوة على أن الدعوة تُعدّ هدية ممنوحة لتيار الإرهاب، إذ أن عدّته الدعائية ستحظى باستقبال وترحيب مريدين جدد سيلجؤون إلى إثارة الجدل تحت مزاعم مواجهة ما يسمونه بالأنظمة المارقة التي تحارب الدين وتهدم ثوابته.

ما تحتاجه المرأة فعليًا ليس تغيير ثوابت الشرع بل رفع الظلم الاجتماعي عنها بسبب العادات والتقاليد
 

قضية الإرث مرتبطة بدور كل من الرجل والمرأة في المجتمع، ومعيار الذكورة والأنوثة ليس هو الفيصل في تمايز أنصبة الوارثين والوارثات إنما هناك معايير أخرى تحكم التوزيع، كما أن هناك حقًا للمرأة في النفقة كابنة وزوجة وأم، والشرع الإسلامي لم يسلط الرجل على مال المرأة، ولم يعطه حق إجبارها على الإنفاق، فهي مُخيّرة في أن تنزل سوق العمل أو لا تنزل، بعكس الرجل الذي لا مجال لتركه العمل أو التقاعس عنه.

تأسيسا على قاعدة العدل إذا افترضنا جدلًا أن المناصفة مساواة (وهي ليست كذلك)، فسيخرج حينئذ من يطالب المرأة بنصف النفقات على الأولاد وحاجات البيت وإلزامها بالنفقة على نفسها والتنازل عن نفقتها اليومية من زوجها، علاوة على ما يتعلق بالمهر وغيره.

المساواة المطلقة لا يمكن أن تكون عادلة إلا إذا تساوت وتشابهت الخصائص والصفات، أما إذا كان واقع الأفراد مختلفًا فلا يمكن تحقيق المساواة العادلة لأن المساواة بين المختلفين ظلم، وستكون المرأة هنا هي الضحية التي ستهدر حقوقها بشكل أكبر، وستتضاعف معاناتها.

ما تحتاجه المرأة فعليًا ليس تغيير ثوابت الشرع بل رفع الظلم الاجتماعي عنها بسبب العادات والتقاليد، وهي في الواقع العملي، حتى مع وجود القوانين، لا تحصل على نصيبها من الميراث بل يستولي عليه إخوتها الذكور.

من أهم قواعد المنطق أنه لا يمكن أن تسير قاعدة اجتماعية ما بمعزل عن المنظومة العامة للقيم، وقد أعلت المنهجية الإسلامية قيمة “العدل”، ومن ثم فإن المساواة العادلة تقتضي تقديم العدل على المساواة، إذا حصل التعارض بينهما، فالمساواة جزء من المنظومة العامة للعدل.

منهج القرآن الكريم هو أن العدل مطلق دائما بينما المساواة نسبية، فالقرآن جعل العدل أساسا ورفض المساواة إذا لم تكن عادلة، والتجربة الغربية دليل على صدقية ذلك، حيث تعترف نخبة كبيرة من الخبراء الغربيين الآن بما ألحقته فكرة التماثل والمناصفة والمساواة المطلقة بين المرأة والرجل من أضرار، سواءً بالمرأة نفسها أو بمنظومة الأسرة كلها.

لا مجال هنا لعرض الشهادات لكن المسألة بديهية، فالأمر اقتضى مسؤوليات مضاعفة على المرأة، وأدوارًا شاقة ضخمة ينبغي عليها النهوض بها في الشأن العام لإثبات أحقيتها في المساواة، بما في ذلك منافسة الرجل في عالم الأعمال الشاقة في مختلف المجالات، ما عرّضها لضغوط فاقت قدراتها وأدت إلى تعاستها.

 

العرب

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى